إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

السبت، 12 نوفمبر 2016

شرح الركن المادي للجريمة في القانون

شرح الركن المادي للجريمة في القانون

مقدمة:
هي مجموعة الأنشطة التي يقوم بها الإنسان الجاني ويستعملها في التنفيذ الفعلي للجريمة وقد تكون بالحواس مثل مد اليد على الغير وقد تكون باللسان كالسب والشتم أو بأي وسيلة أخرى.
ومنها ما تمس بالحياة كجرائم القتل، و منها ما تمس بالآداب و الأخلاق، و منهما تمس بالشرف و العرض و كذلك ضد الروابط العائلية للآسرة كجرائم الزنا و الإجهاض و جرائم ضد الإملاك التي تعبر عنها بجرائم الأصول , و هناك أيضا الجرائم التي تمس بسلامة الجسم كالضرب و الجرح، الذي هو مساس أو اعتداء على جسم الإنسان كالخدش، الكلمات، الضرب بالعصا أو الجرح بالسكين ...الخ
فما هو ركنها المادي

عناصر الركن المادي
- لقيام الركن المادي للجريمة لا بد من توافر العناصر التالية:

أولا-السلوك الإجرامي :
هو كل سلوك خارجي يقوم به الإنسان بغرض إحداث تغيير في العالم الخارجي، فيسبب هذا السلوك الضرر بمصالح محمية قانونا أو يعرضها للخطر نفي القتل مثلا يظهر السلوك الإجرامي في كل فعل يؤدي إلى إزهاق روح الإنسان على قيد الحياة، وفي السرقة يتمثل في نقل حيازة الشئ من المال دون وجه حق.

الفعل:
و قد يكون إيجابياً وقد يكون السلوك الإجرامي إيجابيا بأنه سلوك إرادي، أي حركة عضوية يأتيها المجرم لأحداث أثر مادي ملمس , فهو ايجابي إذا قام الشخص بحركات جسدية معينة لإحداث أثر معين. كأن يمد الشخص يديه ليستولي على المال , او يستخدم زراعيه و قدميه في ضرب الآخرين, او يستخدم أصابعه في التزوير او فمه و لسانه في السب و القدح و التحقير أو إفشاء الأسرار الممنوعة. او يستخدم لسانه في تحريض الآخرين على ارتكاب الجرائم , حيث ان التحريض يعتبر جريمة
- كل هذه الحالات التي ذكرناها تعتبر نشاط ايجابي يشكل الفعل كعنصر من عناصر الركن المادي .. و لكن السؤال هنا هو كيف يكون النشاط السلبي عنصرا من عناصر الفعل .. أي كيف يمكن ان ترتب الجريمة بفعل سلبي طالما ان النشاط الإيجابي هو القيام بحركات معينة بينما النشاط السلبي هو عدم القيام بأي حركات تحدث أثراً في المحيط.
يكون ذلك بالامتناع عن القيام بفعل قد فرضه القانون تحت طائلة العقاب, كالامتناع عن دفع النفقة للزوجة , أو الامتناع عن الإخبار او تبليغ السلطات عن الجرائم و المجرمين ,او الامتناع عن قبول التعامل بالعملة الوطنية, او الامتناع عن اسعاف او اطعام شخص يشرف على الهلاك بقصد قتله و تركه يموت. كل هذه الأفعال تعتبر نشاطا سلبيا يفضي إلى جريمة.
-  وقد يكون سلوكا سلبيا، الذي ليس فيه حركة عضوية، أي يتخذ المجرم موقفا سلبيا من أمر يوجبه القانون مثل إمتناع الأم على إرضاع وليدها أو امتناع القاضي عن إصدار الحكم كما تنص عليه
المادة  136 من قانون العقوبات الجزائري  :يجوز محاكمة كل قاض أو موظف إداري يمتنع بأية حجة كانت عن الفصل فيما يجب عليه أن يقضي فيه بين الأطراف بعد أن يكون قد طلب إليه ذلك ويصر على امتناعه بعد التنبيه عليه من رؤسائه ويعاقب بغرامة من 750 إلى 3.000 دج وبالحرمان من ممارسة الوظائف العمومية من خمس سنوات إلى عشرين سنة .
- والسلوك السلبي ينتج عنه نوعين من الجرائم السلبية :
1- الجرائم السلبية البسيطة:
هي التي تتم ويستحق عليها العقاب بمجرد امتناع الجاني عن القيام بفعل يفرضه القانون بغض النظر عن حدوث النتيجة الضارة مثل ترك طفلا أو عاجزا غير قادر على حماية نفسه (314 ق ع).
 المادة  314 :
كل من ترك طفلا أو عاجزا غير قادر على حماية نفسه بسبب حالته البدنية أو العقلية أو عرضه للخطر في مكان خال من الناس أو حمل الغير على ذلك يعاقب مجرد هذا الفعل بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات.
فإذا نشأ عن الترك أو التعويض للخطر مرض أو عجز كلي لمدة تجاوز عشرين يوما فيكون الحبس من سنتين إلى خمس سنوات.
وإذا حدث للطفل أو للعاجز بتر أو عجز في أحد الأعضاء أو أصيب بعاهة مستديمة فتكون العقوبة هي السجن من خمس إلى عشر سنوات
وإذا تسبب الترك أو التعريض للخطر في الموت فتكون العقوبة هي السجن من عشر سنوات إلى عشرين سنة 
2- الجرائم السلبية ذات النتيجة:
تنتج عن عدم الإتيان بفعل يؤدي لنتيجة ضارة مثل الامتناع عن تقديم الطعام لقاصر لم يتجاوز سن 16 من عمره ينتج عنه تعويض صحته للخطر (269 ق ع).
 المادة  269 :(معدلة)
كل من جرح أو ضرب عمدا قاصرا لا تتجاوز سنه السادسة عشرة أو منع عنه عمدا الطعام أو العناية إلى الحد الذي يعرض صحته للضرر، أو ارتكب ضده عمدا أي عمل آخر من أعمال العنف أو التعدي فيما عدا الإيذاء الخفيف، يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وبغرامة من 500 إلى 5.000 دج.
ثانيا-النتيجة الضارة:
هي الأثر الذي يحدثه السلوك الإجرامي سواء كان أثرا إيجابيا أو سلبيا، فكل جريمة نتيجة بمعنى أن هناك بعد النتائج لها مظهر ملموس مثل إزهاق روح الضحية في جريمة القتل وهناك نتائج ليس لها مظهر ملموس كالامتناع عن التبليغ عن مولود جديد.
النتيجة:
النتيجة هي غير الفعل, و هي منفصلة عنه. و ذلك لأن الفعل المجرّم هو النشاط الذي يصدر عن الفاعل, بينما النتيجة هي الأثر الذي يحدثه ذلك النشاط في العالم الخارجي .فإطلاق النار مثلاً هو الفعل, و موت الضحية هي النتيجة لذلك الفعل.

- و لا تكون الجريمة تامة إلا إذا حصلت النتيجة, فالنتيجة إذا هي شرط في كل جريمة تامة .و الشرع في أكثر الجرائم يستلزم أن تقع نتيجة ضارة بشكل فعلي كما هي الحال في جرائم القتل و السرقة و الاغتصاب. و تدعي هذه الجرائم (جرائم الضرر) و في بعضها الآخر يكتفي المشرع باحتمال حدوث الضرر دون أن يقع فعلاً كما في جرائم حمل سلاح من غير ترخيص و المؤامرة و التحريض على ارتكاب الجرائم و يدعى هذا النوع من الجرائم ب (جرائم التعريض للخطر).و أخيرا غني عن البينان إن من هذه الجرائم ما يكون له وجود مادي محسوس كالموت في جريمة القتل و منها له وجود معنوي غير محسوس سنبحثه لاحقاً. 
ثالثا-العلاقة السببية:
لا يكفي لقيام الجريمة أن يكون هناك فعل و نتيجة ضارة لهذا الفعل , و إنما يجب أن يكون هناك علاقة سببية تربط بين هذا الفعل و تلك النتيجة. فيجب ان يتصل الفعل بالنتيجة صلة العلة بالمعلول و المسبب بالسبب, و ذلك كي يتحمل الفاعل عبء النتيجة التي أفضى إليها فعله. و إذا لم يتوافر عنصر السببية فلا يكتمل الركن المادي للفعل. و تكون العلاقة السببية بين الفعل و النتيجة متوفرة متى كان هذا الفعل صالحاً – في الظروف التي ارتكب فيها- لإحداث تلك النتيجة وفقاً لمجرى الأمور العادي.

- هي الرابطة المعنوية بين السلوك الإجرامي والنتيجة الضارة ويرى البعض أن علاقة السببية مشكلة فلسفية لأن بعض الجرائم قد تكون ثمرة عدة سلوكات وعوامل.
ونظرا لإمكانية حدوث النتيجة الضارة لأسباب مختلفة ظهرت مجموعة من النظريات حاولت تحديد السبب الحقيقي في وقوع نتيجة الجريمة أهمها:

أ)- نظرية تعادل الأسباب :
مفاد هذه النظرية أن مجموعة من الاسباب تتضافر مجتمعة في إحداث النتيجة وقد إنتقدت هذه النظرية للأسباب التالية:
- أنها متناقضة فهي تعتمد على النتيجة التي كانت بسبب عدة عوامل ويخلف أحدهما بمنح حدوث النتيجةن ومن جهة أخرى تسوي بين هذه العوامل.
-  لم تسوي بين العوامل الرئيسية والثانوية فربما أن عامل الجاني هو الأضعف .
- توسع دائرة المسؤولية الجنائية.


ب)- نظرية السبب الأقوى:
ترى أنها تختلف الأسباب في إحداث النتيجة من حيث مساهمتها لذلك تنسب النتيجة لأقوى الأسباب أي السبب الذي يكون له الدور الرئيسي والفعال أما البقية فهي مجرد ظروف ساعدت السبب الأقوى.

وقد إنتقدت هذه النظرية للأسباب التالية:
- تحصر قيام المسؤولية الجنائية في السبب الأقوى مهملة بقية الأسباب وتعدد الجناة.
- صعوبة التفرقة بين مجموع العوامل والأسباب لعدم وجود معيار للتفرقة.

ج)- نظرية السبب الملائم:
 ترى أنه إذا كان سلوك المجرم هو السبب المنتج للنتيجة الضارة فيجب تقديم المسؤولية الجنائية عليه و إلا عوقب على أساس الشروع فقط.

و إنتقدت هذه النظرية على أساس ما يلي:
- إن استبعاد لبعض العوامل وإغفال تأثيرها في إحداث النتيجة يؤدي إلى التضييق في نطاق المسؤولية الجنائية.
- أن تقديم السبب الملائم مسألة تقديرية يختلف الناس في تقديرها.


د)- موقف المشرع الجزائري:
 لم يعرف المشرع الجزائري العلاقة السببية ولم يحدد أي نظرية يجب إتباعها بل تولي الفقه والقضاء ذلك، حيث لوحظ أن القضاء يميل إلى السبب المنتج في تأسيس المسؤولية الجنائية ونظرية تعادل وتكافؤ الأسباب في المسؤولية المدنية.

خاتمة

يعرف الفقهاء عادة الركن المادي للجريمة بأنه فعل ظاهري يبرز الجريمة ويعطيها وجودها وكيانها في الخارج أو هو وقوع فعل أو امتناع عن فعل حرمه القانون بما يجعل الجريمة تبرز إلى الوجود تامة كانت أو ناقصة. وانطلاقا من هذه التعريفات يمكن القول وأن الركن المادي يقوم أساسا على عنصر السلوك الإجرامي وأحيانا يكون هذا العنصر كافيا ولوحده لذلك. فالسلوك الإجرامي يعرف بأنه القيام بفعل أو الامتناع عن القيام بفعل يحرمه القانون فهو تصرف الشخص إزاء ظروف معينة. وبالمقارنة بين التعريف المعطى للسلوك الإجرامي والتعريف المعطى للركن المادي للجريمة نتبين أهمية أو قيمة السلوك في توفر ماديات الجريمة. لكن هناك من يرى بأن السلوك لا قيمة له فما هو إلا مجرد عارض ومظهر للشخصية الإجرامية فالجاني لا يعاقب لأنه قام بسلوك ولكنه يعاقب لأن شخصته خطيرة على المجتمع وما سلوكه إلا دليل على تلك الخطورة. بل إن المدرسة الوضعية الإيطالية ذهبت أبعد من ذلك معتبرة أنه لا ضرورة لقيام الشخص بسلوك مجرم كي تتدخل الدولة وتمارس حقها في العقاب فالتدخل يتم قبل السلوك لتلافي الخطورة الإجرامية الكامنة في نفس ذلك الشخص ولو لم يعبر عنها بفعل مادي بعد. إلا أن هذه النظرية ورغم أنها وجدت لها تطبيقات تشريعية فهي لم تلغ المبدأ القائل بأن التجريم لا يلحق إلا عملا ماديا أو سلوكا ذا مظهر خارجي فنطاق تدخل القانون الجنائي مبدئيا لا يشمل النوايا.