إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 3 أغسطس 2016

( محاضرة )مبدأ الفصل بين السلطات:أساس تقسيم الأنظمة

مبدأ الفصل بين السلطات:أساس تقسيم الأنظمة

مقدمة

لعل من أهم المشاكل السياسية التي تواجه المفكرين السياسيين في أي مجتمع هي مشكلة السلطة ومكانتها في المجتمع. بمعنى هل يجب تركيز السلطة في مؤسسة أو شخص واحد كما كان سائدا في الأنظمة الملكية والدكتاتورية التي سادت لقرون طويلة في كثيرا من الدول ولا زالت سائدة في بعض الدول اليوم؟ أم لابد من توزيع السلطات؟ وإذا كان لابد من توزيعها أو فصلها عن بعضها، فكيف يكون ذلك؟


الأسس النظرية لمبدأ الفصل بين السلطات

ترجع الجذور التاريخية الأولى لمبدأ الفصل بين السلطات إلى عهد الفيلسوف اليوناني "أفلاطون" ومن بعده تلميذه "أرسطو"، أما المفهوم المعاصر للمبدأ فيرجع إلى القرن 18م وتحديدا إلى الفيلسوف "جون لوك"، غير أنه غالبا ما ينسب إلى الفقيه الفرنسي "مونتسكيو" الذي يعود إليه الفضل في إبرازه وتطويره ووضع الأسس والمبادئ التي يقوم عليها .
المطلب الأول : الفصل بين السلطات لدى أفلاطون (427-347ق.م)
يرى أفلاطون في كتابه "القوانين" بأنه يجب توزيع وظائف الدولة بين هيئات مختلفة بالتوازن والتعادل حتى لا تنفرد كل هيئة بالحكم وتمس سلطة الشعب مما يؤدي إلى وقوع انقلاب أو ثورة، ولتجنب ذلك يجب فصل وظائف وهيئات الدولة، ولكي تحقق النفع العام عليها أن تتعاون بينها وتراقب بعضها منعا للانحراف[1]. وتتمثل هذه الهيئات في :
- مجلس السيادة المكون من 10 أعضاء يهيمنون على دفة الحكم وفقا للدستور.
- جمعية الحكماء مهمتها الإشراف على التطبيق السليم للدستور.
- مجلس شيوخ منتخب من الشعب مهمته التشريع.
- هيئة قضائية لحل المنازعات بين الأفراد.
- هيئة الشرطة للمحافظة على الأمن داخل الدولة.
هيئة للجيش مهمتها الحفاظ على سلامة البلاد من أي اعتداءات خارجية.
- هيئات تنفيذية وتعليمية لإدارة مرافق الدولة[2].
المطلب الثاني : الفصل بين السلطات لدى أرسطو (384-322ق.م)
يرى أرسطو في كتابه "السياسة" بأن وظائف الدولة تنقسم إلى ثلاث:
-     وظيفة المداولة وتسند  إلى الجمعية العامة وتهتم بمسائل السلم والحرب والمعاهدات وسن القوانين والمسائل المتعلقة بالمالية والعقوبات .
-     وظيفة العدالة تسند إلى المحاكم،ومهمتها الفص في الخصومات والجرائم .
-     وأخيرا وظيفة الأمر والتي أسندها إلى مجلس قال بأنه يقضي في المسائل الهامة[3].
كما يرى بأنه من الأحسن للنظام السياسي توزيع السلطة فيما بين هيئات مختلفة تتعاون مع بعضها تجنبا للاستبداد.
المطلب الثالث : المبدأ عند جون لوك (1632-1704م)
عند قيام ثورة 1688 وبعد نفيه من طرف جاك الثاني كتب جون لوك كتابه حول الحكومة المدنية، بهدف إضفاء الشرعية على الثورة، فأصبح بذلك المنظر الأول المعاصر للفصل بين السلطات.
لقد قسم جون لوك السلطات في الدولة إلى أربع هي :
- السلطة التشريعية ، وتختص بسن وإقرار التشريعات ، حيث منحها الأولوية والهيمنة على غيرها.
- السلطة التنفيذية وتخضع للأولى، وظيفتها تنفيذ القوانين والسهر على تحقيق الأمن والاستقرار.
- السلطة الاتحادية ،وهي صاحبة الاختصاص في المسائل الخارجية كإعلان الحرب والسلم وعقد المعاهدات، وتكون بيد الملك .
- سلطة التاج، ، وتشمل مجموعة الحقوق والامتيازات الملكية التي يحتفظ بها التاج البريطاني حتى الآن[4] .
وقد تكلم لوك في كتابه عن ضرورة الفصل في الدولة بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية وعدم الجمع بينهما في يد واحدة، وبمفهوم أدق فإن الفصل عند لوك يعني تفادي تركيز السلطتين التشريعية والتنفيذية بين يدي الحاكم والذي يمثل عند لوك السلطة التنفيذية ,ذلك لأن هذا الأخير (الحاكم) وبحكم طبيعته البشرية فإنه لن يصمد أمام الإغراء الناجم عن تجميع سلطتي التشريع والتنفيذ في يده مما قد يدفعه إلى الاستبداد ، لأن الأصل في السلطة السياسية أن من يقوم عليها يميل إلى الاستبداد بها وفقا للمقولة الشهيرة لعلماء السياسة والتي مفادها :" إن السلطة مفسدة ، وإن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة للقائم عليها" لذلك يرى "لوك"بوجوب توزيع السلطة بين سلطات مختلفة حتى تراقب كل هيئة غيرها وتوقفها عند حدود صلاحياتها واختصاصاتها.
ولقد ذهب لوك بعيدا حينما قرر حق الثورة للشعب على الحكم الاستبدادي الذي قد يجمع في يده عدة سلطات ،
المطلب الرابع: المبدأ عند مونتسكيو
لقد  ارتبط مبدأ الفصل بين السلطات باسم الفيلسوف الفرنسي Montesquieu ( 1689-1755 )  الذي شرحه وأبرز خصائصه في مؤلفه الشهير "روح القوانين" سنة 1748 .حيث يعود له الفضل في نقل المبدأ من مجرد تقسيم وظيفي إلى فصل بين السلطات أو الهيئات التي تتولى تلك الوظائف. والمبدأ حسب هذا الفيلسوف يعني عدم جمع سلطات الدولة في يد فرد واحد أو هيئة واحدة ، وفي ذلك يقول :( إنها تجربة خالدة أن كل إنسان يتولى السلطة ينزع إلى إساءة استعمالها حتى يجد حدا يقف عنده. إن الفضيلة ذاتها تحتاج إلى حدود ، ولكي لا يٌساء استعمال السلطة يجب أن توقف السلطة سلطة أخرى) .
ومبدأ الفصل بين السلطات حسب "مونتسكيو" هو قبل كل شيء تقنية دستورية غايتها منع الاستبداد ، وصيانة الحرية ، فإذا جمع شخص واحد أو هيئة واحدة السلطتين التشريعية والتنفيذية انعدمت الحرية، وكذلك الشأن إذا اجتمعت السلطات الثلاث في يد واحدة ولو كانت يد الشعب ذاته ،لذلك يجب أن تتوقف كل سلطة عند حدها بواسطة غيرها ،بحيث لا تستطيع أي سلطة أن تسيء استعمال سلطتها أو تستبد بها.
فالحرية إذا مرتبطة ارتباطا وثيقا بتقسيم السلطة ، ولا وجود لهذه الحرية عند دمج السلطات لحساب إحداها أو لحساب شخص أو جماعة.كما أن تنظيم هذه السلطات وتقسيمها ينبغي أن يكون بطريقة لا تسمح لأي منها أن تتحرك لوحدها ، بمعنى أن ترتبط هذه السلطات ببعضها وان يكون بينها قدر من التعاون والتأثير المتبادل .لأجل ذلك يرى مونتسكيو ضرورة أن يوجد في كل دولة ثلاث أنواع من السلطات :
- السلطة التشريعية ، والتي تتولى صياغة القوانين لمدة محددة ، او بصفة دائمة ، وتعدل وتلغي القوانين النافذة .
- السلطة التنفيذية ، التي تقر السلام أو تعلن الحرب ، وترسل وتستقبل السفراء وتوطد الأمن .
- السلطة القضائية  ، والتي تعاقب على ارتكاب الجرائم وتفصل في منازعات الأفراد .



- [1]سعيد بوشعير : لقانون الدستوري والنظم السياسية المقارنة،الجزء 2, ط5،د.م.ج,الجزائر 2003, ص164.
-[2]نفس المرجع،ص33.
- [3] عبد الغني بسيوني عبد الله : النظم السياسية والقانون الدستوري، الدار الجامعية للطباعة والنشر،بيروت،1993،ص246.
- [4] سعيد بوشعير:المرجع السابق،ص34.

الفصل بين السلطات والتصنيف الكلاسيكي للأنظمة السياسية

يعرف النظام السياسي على انه جملة القواعد القانونية والمؤثرات الواقعية التي تحدد تنظيم المؤسسات السياسية والعلاقات بينها وممارستها للسلطة في دولة معينة.لذلك فالنظام السياسي يسمح بدراسة الخصائص العامة للسلطات السياسية سواء من حيث جوانبها القانونية أو من حيث الجانب العملي والتطبيقي للحياة السياسية.
ورغم الاختلاف الحاصل حول المعايير المعتمدة في تصنيف الأنظمة السياسية بما يسهل دراستها ومعرفتها إلا أن معيار الفصل بين السلطات يبقى المعيار الأكثر انتشارا في الدراسات الفقهية المعاصرة.
استنادا على هذا المعيار يمكن التمييز بين الأنظمة التي تأخذ بالفصل المرن بين السلطات (النظام البرلماني ) وبين الأنظمة التي تكرس التفسير الجامد لهذا الفصل (النظام الرئاسي)، وبين تلك التي ترفض فكرة الفصل نهائيا(النظام المجلسي).وهو ما سنتناوله في العناصر التالية.



النظام البرلماني

يجسد النظام البرلماني [1] " Le régime parlementaire" او ما يسمى بنظام الحكومة النيابية النموذج المثالي لمبدأ الفصل بين السلطات كما تصوره مونتسكيو : وجود فصل مرن بين السلطات يتيح إمكانية التداخل بينها على مستوى الهياكل،وإمكانية التعاون والتأثير المتبادل على مستوى الوظائف. نشأ هذا النظام في انجلترا[2] نتيجة سلسلة من الأحداث التي ساهمت في انتقال السلطة تدريجيا من الملك إلى رئيس الوزراء ، ثم انتقل إلى أوروبا في القرن التاسع عشر .
المطلب الأول: خصائص النظام البرلماني
أدت التطورات السياسية في مختلف الأنظمة إلى تغييرات أساسية طالت المقومات الجوهرية للنظام البرلماني،مما اوجد تباينا في خصوصيات كل نظام برلماني من دولة إلى أخرى ، لذلك سنتطرق إلى خصائص النظام البرلماني التي يتفق الفقه الدستوري بشأنها والتي تتجلي في  :
الفرع الأول : ثنائية السلطة التنفيذية
تشترك جميع الدول التي تتبنى النظام البرلماني في وجود شخصين يتقاسمان السلطة التنفيذية: رئيس الدولة،ورئيس الحكومة. وهما يختلفان –حسب كل دولة-من حيث الانتخاب والصلاحيات ومدة الولاية.
الفرع الثاني : عدم مسؤولية رئيس الدولة
رئيس الدولة في هذا النظام لا يمارس سلطات فعلية بل مهام شرفية فقط،وبالتالي لا تقع على عاتقه أية مسؤولية .
ومبدأ عدم مسؤولية رئيس الدولة مستمد من النظام الانجليزي الذي كان يعتبر أن الملك لا يخطئ وبالتالي فهو غير مسؤول سياسيا وجنائيا.غير أن مدى عدم مسؤولية الرئيس يختلف من نظام إلى آخر،بحيث نجد أن الرئيس في الدول ذات النظام الجمهوري غير مسؤول سياسيا فقط ،حيث يبقى مسؤولا جنائيا عن الجرائم التي يرتكبها .
الفرع الثالث : مسؤولية الحكومة أمام البرلمان
نتيجة لعدم مسؤولية رئيس الدولة فإن الوزارة تتحمل جميع الآثار المترتبة عن أعمال السلطة التنفيذية،ولهذا تكون مسؤولة سياسيا أمام البرلمان (مسؤولية تضامنية أو فردية) ، وهذا يستوجب اشتراط توقيع رئيس الوزراء والوزير المختص إلى جانب توقيع رئيس الدولة.
الفرع الرابع : التوازن والتعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية
يتحقق التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية عن طريق الوسائل التي تمتلكها كل سلطة لتؤثر بها على السلطة الأخرى.أما التعاون فيتجسد في اشتراك السلطتين في بعض الوظائف ، فالسلطة التنفيذية تشارك في الوظيفة التشريعية باقتراح القوانين وحضور الوزراء لجلسات البرلمان والاشتراك في مناقشات اللجان البرلمانية...
ومن جهة أخرى يشارك البرلمان في بعض مجالات الوظيفة التنفيذية كالتصديق على المعاهدات وإعلان الحرب وغيرها.
المطلب الثاني : تنظيم السلطات في النظام البرلماني
الفرع الأول : السلطة التشريعية
بالرجوع للنشأة التاريخية لسلطة التشريعية نجد أنها بدأت أحادية ثم تطورت للازدواجية ، كما هو الحال في بريطانيا. يتم انتخاب أعضاء المجلس الأول(مجلس النواب) بالاقتراع العام المباشر أما بالنسبة للمجلس الثاني فتكوينه يتحقق بطرق متعددة ( الوراثة، التعيين،الانتخاب غير المباشر...)
تمارس السلطة التشريعية في النظام البرلماني عدة وظائف أهمها:الوظيفة التشريعية والوظيفية الرقابية والوظيفة المالية.
- ففي مجال الوظيفة التشريعية يقوم البرلمان بإعداد النصوص القانونية وإرسالها إلى رئيس الدولة لإصدارها والسهر على تنفيذها.غير أن دور البرلمان في المجال التشريعي أصبح محدودا نتيجة لتحديد المجالات التي يشرع فيها،واقتصاره على وضع المبادئ والقواعد العامة دون التعرض للتفاصيل مما فسح المجال واسعا للسلطة التنفيذية للتدخل بواسطة التنظيم .
- أما الوظيفة الرقابية فتتمثل في الرقابة التي يباشرها البرلمان على الحكومة (سنتطرق إلى هذا الموضوع في فيما بعد ).
- أما الوظيفة المالية فتشمل الضرائب والرسوم المفروضة على المواطنين والمسائل الأخرى المنظمة للشؤون المالية الدولة والمنظمة بواسطة القانون استنادا إلى الدستور.
الفرع الثاني : السلطة التنفيذية
يتميز النظام البرلماني بثنائية السلطة التنفيذية :رئاسة الدولة والحكومة
- رئاسة الدولة : يمكن لرئيس الدولة في النظام البرلماني أن يكون ملكا،كما يمكن أن يكون رئيسا للجمهورية ، وعلى عكس النظام الجمهوري فإن النظام الملكي لا يثير أي تعارض مع مبدأ التوازن الذي يؤسس عليه النظام البرلماني كون الوراثة كطريقة للتعيين تكفل المساواة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية .
يجمع الفقه على انه ليس لرئيس الدولة في النظام البرلماني أية اختصاصات فعلية يستطيع ممارستها منفردا[3] ، فرغم أنه يملك حق تعيين وعزل الوزراء وحق حل البرلمان إلا انه في ممارسته لهذين الاختصاصين يكون مقيدا بالأغلبية البرلمانية
- الحكومة : هي هيئة تتكون من وعدد من الوزراء تحت رئاسة رئيس الوزراء ،وهي بمثابة هيئة جماعية متضامنة حول برنامج عملها وسياستها أمام البرلمان .رئيس هذه الهيئة (الوزير الأول)يعينه رئيس الدولة من بين الأغلبية البرلمانية ، ويقوم الشعب بمنح الحكومة الثقة مما يضفي على النظام الطابع الديمقراطي ويجعل زعيم الحزب المنتصر رئيسا للحكومة.ويمكن اختيار أعضاء الحكومة من بين أعضاء البرلمان دون أن يترتب على هذا الاختيار فقدانهم لعضوية المجلس النيابي.
المطلب الثالث : العلاقة بين السلطات في النظام البرلماني
يؤدي مبدأ التوازن الايجابي الذي يميز النظام البرلماني إلى توفير وسائل للضغط المتبادل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، بحيث تتمتع كل منهما بجملة من الوسائل المختلفة للتأثير على الأخرى.
الفرع الأول : تأثير السلطة التشريعية على السلطة التنفيذية
يمكن للسلطة التشريعية أن تراقب السلطة التنفيذية من خلال :
  • سحب الثقة منها بواسطة لائحة اللوم أو ملتمس الرقابة " "La motion de censureوالتي يؤدي التصويت عليها إلى استقالة الحكومة.
  • الاستجواب
  • طرح الأسئلة الكتابية والشفهية بغرض الاستيضاح-فقط-[4]عن قضية تتعلق بالسياسة العامة للحكومة أو أعمال إحدى الوزارات.
  • إنشاء لجان للبحث والتحقيق في موضوع ذو أهمية ، بحيث تعد تقريرا يعرض على الجلسة العامة للبرلمان،وهذا الأخير يسهر على نشره لتمكين الرأي العام من الاطلاع عليه.
  • مناقشة برنامج الحكومة و إمكانية عدم الموافقة عليه .
  • مناقشة أعضاء الحكومة داخل اللجان البرلمانية .
الفرع الثاني : تأثير السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية
في المقابل تتمتع السلطة التنفيذية بثلاث وسائل للتأثير على البرلمان :
  • حق حل البرلمان عند الضرورة .
  • طرح مسألة الثقة أمامه حيث تلزمه بالتعبير عن موقفه منها .
  • دخول أعضاء الحكومة إلى البرلمان للدفاع عن مشاريع القوانين التي تقترحها الحكومة.
  • دعوة البرلمان للانعقاد خارج الفترات التشريعية.
  • إمكانية تأجيل عمل البرلمان.
سؤال : كان للأحزاب السياسية في بريطانيا تأثيرا كبيرا على توازنات النظام البرلماني.كيف ذلك؟


- [1]لا يقصد بالنظام البرلماني النظام الذي تتحقق فيه السيطرة السياسية للبرلمان،ولا النظام السياسي الذي يوجد فيه البرلمان.فأغلب دول العالم اليوم يوجد بها برلمان، ورغم ذلك فليست كلها أنظمة برلمانية.
-[2]لذلك غالبا ما يعتبر النظام البريطاني النموذج المرجعي لدراسة الأنظمة البرلمانية.
- [3] قد يبدو مركز رئيس الدولة في هذا النظام ضعفا إلا أن الأمر في حقيقته يتوقف على مدى قوة شخصية الرئيس نفسه
- [4]لهذا تعتبر من وسائل الرقابة غير الحاسمة.


النظام الرئاسي

يعرف النظام الرئاسي-من الناحية النظرية- على انه النظام الذي يقوم على الفصل الجامد بين السلطات ، دون أي تداخل بينها،وذلك بهدف تحقيق التوازن والمساواة الكاملة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية. وتعود النشأة التاريخية لهذا النظام إلى دستور الولايات المتحدة الأمريكية لسنة 1789 حيث أراد مؤسسوها أن يضمنوا عدم هيمنة السلطة الفدرالية الاتحادية على حرية الدويلات.
وينفرد النظام الرئاسي بخصائص ومميزات تميزه عن الأنظمة الأخرى -خاصة البرلماني- والتي يمكن إجمالها فيما يلي :
. 1أحادية السلطة التنفيذية
تتكون السلطة التنفيذية من رئيس منتخب من طرف الشعب[1] يجمع بين رئاسة الدولة و رئاسة الحكومة في آن واحد ،وينفرد باختيار وعزل الوزراء الذين يساعدونه و يخضعون له ، فلا توجد حكومة بالمعنى الدقيق ،والوزراء ليسوا إلا مجرد أعوان و مساعدين للرئيس يعملون تحت إشرافه.لهذا فهم ليسوا مسؤولين أمام البرلمان بل أمامه فقط.
. 2توازن و استقلال السلطات العامة
من الناحية النظرية يقوم النظام الرئاسي على مبدأ توازن و استقلال السلطتين التشريعية والتنفيذية عن بعضها دون وجود علاقة تعاون بينهما:
أ‌. مظاهر استقلال السلطة التنفيذية
تستقل السلطة التنفيذية في أداء مهامها استقلالا شبه مطلق ، فالرئيس يستمد سلطته المباشرة من الشعب و ينفرد بتعين الوزراء و إقالتهم .ويعتبر غياب نظام المسؤولية السياسية للحكومة أمام البرلمان أهم مظهر من مظاهر استقلال السلطة التنفيذية ،حيث أن البرلمان لا يملك أية وسيلة من وسائل التأثير الفعالة فلا يحق له مساءلة أو استجواب أو محاسبة الوزراء أو سحب الثقة منهم.
ب‌. مظاهر استقلال السلطة التشريعية
تستقل السلطة التشريعية في أداء وظيفتها دون تدخل من السلطة التنفيذية ، فلا يحق لرئيس الدولة دعوة البرلمان إلى الانعقاد أو تأجيل اجتماعه أو إنهاءه،كما لا يحق له حل البرلمان و لا التقدم باقتراح مشاريع القوانين أو سنها.
وتتمتع من جهة أخرى بالاستقلال العضوي بحيث لا يجوز الجمع بين عضوية البرلمان وعضوية الحكومة ،ولا يحق للوزراء حضور اجتماعات البرلمان بصفتهم كوزراء ولا المشاركة في المناقشات البرلمانية أو التصويت على القوانين.
رأينا مما سبق أن النظام الرئاسي يعمل على إقامة الفصل التام بين السلطتين التنفيذية والتشريعية مستهدفا تحقيق المساواة الكاملة بينهما، واستقلال كل منها عن الأخرى بشكل كامل. غير أنه ومن الناحية العملية فإن الاستقلال التام لدرجة عزل السلطات عن بعضها أمر مستحيل التحقيق ويؤدي إلى شلل مؤسسات الدولة عن أداء وظائفها، ولهذا نجد أن الدساتير التي تبنت النظام الرئاسي وعلى رأسها و.م.أ تعتمد بعض التقنيات والوسائل على سبيل الاستثناء لأجل التخفيف من حدة الفصل بين السلطتين وإيجاد نوع من التعاون والرقابة المتبادلة بينهما.
فرئيس الدولة في الولايات المتحدة الأمريكية يملك حق دعوة البرلمان للانعقاد في الظروف الاستثنائية،كما يمكنه ممارسة حق الاعتراض التوفيقي-الفيتو-  على مشاريع القوانين التي وافق عليها البرلمان .
في المقابل يملك البرلمان بدوره وسائل تمكنه من التأثير على السلطة التنفيذية كحقه في إعداد الميزانية العامة للدولة وإقرارها،وحقه في التدخل في المسائل الدولية والشؤون العسكرية كالموافقة على المعاهدات وإعلان الحرب،وحقه في المساهمة في التعيينات في الوظائف العليا في الدولة،كما يملك السلطة العقابية على الرئيس والموظفين الاتحاديين إذ يمكن أن يكونوا موضع اتهام جنائي ومحاكمة أمام البرلمان عن الجرائم التي يرتكبونها.



- [1]لذلك لا يتصور قيام النظام الرئاسي إلا في الأنظمة الجمهورية فقط.


النظام المجلسي

يقوم النظام المجلسي ( نظام حكومة الجمعية ) على رفض فكرة الفصل بين السلطات وذلك بتركيز السلطة ومظاهر السيادة في يد هيئة واحدة منتخبة من الشعب تتولى المهام التشريعية والتنفيذية والقضائية .ويقوم هذا النظام على أساس وحدة السيادة في الدولة وعدم قابلية السلطة للتجزئة الأمر الذي يتطلب وجود مؤسسة واحدة تمارسها باسم الشعب صاحب السيادة.
عرفت فرنسا تطبيق هذا النظام في ظل دستور 1792 و 1848 و 1871 و كذا النمسا في دستور 1920 و تركيا في دستور 1924 . و يؤخذ على النظام المجلسي انه كثيرا ما يؤدي إلى دكتاتورية السلطة التنفيذية كما حدث في تركيا في عهد كمال أتاتورك أو دكتاتورية السلطة التشريعية مثلما حدث في فرنسا خلال الجمهورية الرابعة .
و يمكن حصر خصائص هذا النظام في مظهرين :
. 1تبعية الهيئة التنفيذية للسلطة التشريعية
نظرا لصعوبة مباشرة الجمعية النيابية لمهام السلطة التنفيذية بنفسها فإنها تختار هيئة تنفيذية من بين أعضائها لهذا الغرض،وتكون هذه الهيئة خاضعة للجمعية النيابية تعمل تحت إشرافها و رقابتها كما تكون مسؤولة مسؤولية تامة أمامها عن جميع التصرفات. إن الحكومة في ظل النظام المجلسي لا تشكل سلطة تنفيذية تتمتع بالاستقلالية عن البرلمان  بل مجرد جهاز تنفيذي يقوم بتنفيذ القوانين والقرارات الصادرة عن المجلس.
. 2عدم تأثير الهيئة التنفيذية على السلطة التشريعية
نظرا لتبعية الهيئة التنفيذية للسلطة التشريعية فإنها لا تملك نحوها أية حقوق كحق حل البرلمان أو دعوته للانعقاد أو تأجيل اجتماعاته.
يعتبر النظام السويسري النموذج المثالي والناجح للنظام المجلسي إذ يقوم على هيمنة الجمعية الفدرالية على الحياة السياسية ،حيث تنتخب هذه الجمعية مجلسا فدراليا مكونا من 07 أعضاء لمدة 4 سنوات،وتختار من بينهم رئيسا للدولة الاتحادية لمدة سنة واحدة غير قابلة للتجديد .ويتولى المجلس الفدرالي الصلاحيات التنفيذية تحت توجيه ورقابة الجمعية الفدرالية .وما يجب ملاحظته هو أن هذا المجلس لا يجوز عزله إلا بعد انقضاء أربع سنوات كما انه من الناحية الواقعية يتمتع بسلطات واسعة مكنته من فرض وجوده وهو ما يتعارض مع خصائص نظام حكومة الجمعية .