إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 3 أغسطس 2016

شروط قيام النظام الدستوري أو الحكومة الدستورية و(الدولة القانونية)

شروط قيام النظام الدستوري أو الحكومة الدستورية و(الدولة القانونية)


اشترط الفقه العام لوصف نظام سياسي في دولة ما، بأنه نظام دستوري، أو بوصف حكومتها بأنها حكومة دستورية، الشروط والعناصر والمقومات التالية: 1ـ خضوع الحكومة لقواعد قانونية عليها:
إذ يعتبر وجود الدستور في الدولة الضمانة الاولى لتحقيق نظام الدولة القانونية، فالدستور هو الذي يعني بتبيان نظام الحكم في الدولة، يبين وضع السلطات العامة فيها، وكيفية ممارسة هذه السلطات لوظائفها، وحدود اختصاص كل منها، كما ان الدستور هو الذي يحدد حقوق وواجبات الحكام والمحكومين. وتفسير هذا الشرط يعني هو ان الحكومة أو الحاكم ـ تخضع لقواعد قانونية عليا، فلا يملك الحاكم الخروج عنها، بل يلتزم بحدودها، وحتى لو كان هو الذي وضعها، ما دامت هذه القواعد القانونية قائمة من الناحية القانونية، ولم تلغ بعد.

وبناءً على هذا الشرط، فقيام الحكومة الاستبدادية gouvernement despotique في دولة ما، يتنافى مع قيام نظام دستوري أو حكومة دستورية فيها، وذلك لأن الحاكم في هذه الحكومة الاستبدادية لا يلتزم حدود القانون ولا يخضع لأحكامه، وأنما يصرف امور الدولة طبقا لهواه الخاص ونزواته الشخصية وارادته الفردية.
والدستور هو الذي يبين حدود اختصاص السلطات العامة في الدولة، فيضع قيودا وحدودا لكل سلطة منها، فلا تستطيع أن تتجاوزها، وإلا كانت هذه السلطات قد خالفت الدستور وفقدت سند وجودها ومبرر شرعيتها، فالدستور على هذا النحو يكون قيداً على سلطان الدولة، فعلى سبيل المثال، فاذا ما نص الدستور على أنه لا يجوز تنظيم بعض مسائل معينة إلا بقانون يصدر عن السلطة التشريعية، فمعنى ذلك ان الدستور يكون قد وضع قيداً على السلطة التنفيذية مناطه عدم جواز التعرض لتنظيم مثل هذه المسائل، وحرم في ذات الوقت على السلطة التشريعية، أن تفوض والى سلطة أخرى الاختصاص بشأن تنظيم المسائل التي هي من اختصاصها والمحجوزة لها بنص القانون(1):

2ـ الفصل بين السلطات:
ومعنى هذا المبدأ وجوب الفصل بين السلطات الثلاث في الدولة، التشريعية والتنفيذية والقضائية، ونعني بالفصل بين السلطات في هذا الخصوص الفصل العضوي او الشكلي، فيكون هناك جهاز يستقل بأمور التشريع، وآخر يستقل بأمور التنفيذ، وثالث يستقل بأمور القضاء. فاذا تحقق ذلك، وصار لكل عضو اختصاصه المحدد، والذي لا يستطيع تجاوزه، امتنعت شبهة اعتداء أي من هذه السلطات على الأخرى، لأن السلطة توقف السلطة كما يقال.
وإذا ما تحقق ذلك ـ تكون الحكومة مقيدة.
ويقصد بالحكومة المقيدة ـ Gouvernement Limitd ـ أن تكون وظائف الحكم الثلاث مقسمة، مع إسناد كل وظيفة منها الى هيئة مستقلة، وبعبارة أخرى، ان الحاكم لا يمارس وظائف الحكم الثلاث بمفرده، بل يجب توزيعها الى هيئات ثلاث مستقلة، يحد بعضها من سلطات البعض الآخر. وبعبارة أخرى يجب أن يكون مبدأ الفصل بين السلطات مقرراً. وطبقا لهذا الشرط فقيام الحكومة المطلقة (Gouvernement hsolu) يتنافى مع وجود النظام الدستوري، أو الحكومة الدستورية وذلك لعدم إمكانية الحاكم لأن يركز وظائف الحكم في يده وحده وخاصة الوظيفتين التشريعية والتنفيذية(2).
ويجب أن تكون هذه الحكومة المقيدة قائمة على أساس أن الذي يباشر الوظيفة التشريعية برلمان منتخب من الشعب بواسطة الاقتراع العام، كما يجب ان يكون هذا البرلمان المنتخب صاحب اختصاصات فعلية واستشارية في التشريع والمسائل المالية.
ولهذا يعتبر وجود البرلمان المنتخب صاحب الاختصاصات الفعلية هو العلامة المميزة لقيام نظام دستوري، ولهذا فقد ذهب البعض من الفقه الدستوري، الى ان النظم الدكتاتورية وما تؤدي إليه من حكومات دكتاتورية، وخاصة الدكتاتورية الشخصية الطائفية أو العنصرية، فلا تعتبر نظما دستورية، وبالتالي ليست حكومات دستورية، حتى بوجود مجلس برلمان منتخب إذا كان هذا البرلمان مشوها وضعيفا امام سلطان السلطة.
ولو تصورنا مدى ما يترتب من اجتماع جميع السلطات، أو حتى اثنتين منها في يد واحدة، لأدى ذلك الى فقدان التشريع لأهم سماته وهي سمة العموم والتجريد، إذ يمكن ان يصدر التشريع لمواجهة حالات فردية خاصة، بل ويمكن ان يتم تعديل القانون القائم حال تنفيذه ولأغراض شخصية بحتة، كذلك قد يترتب على اجتماع وظيفة التشريع ووظيفة القضاء في يد واحدة أن يضع المشرع قانوناً يتفق والحل الذي يبتغيه بشأن بعض المنازعات المطروحة أمام القضاء، اذا ما عن له محاباة طرف ما من اطراف النزاع. وعلى هذا النحو يعتبر مبدأ الفصل بين السلطات عنصراً أساسياً من عناصر الدولة القانونية.


3ـ أن تكون الحكومة قانونية وان تخضع الادارة للقانون:
الحكومة القانونية هي الحكومة التي تشكل طبقا لأحكام الدستور المطبق في الدولة، وبعبارة أخرى يجب ان يكون الدستور المطبق في الدولة نافذا وبصورة مستمرة، بحيث تباشر الحكومة وظائف الحكم طبقا لأحكام وشروط وحدود الدستور.
وطبقاً لهذه الشروط فأن الحكومة الفعلية أو الواقعية ـ باعتبارهما نظاماً سياسياً قد يكون مؤقتاً في حالتين، الأولى في حالة نجاح انقلاب أو في حالة حدوث ثورة. ويترتب على ذلك حسب رأي بعض الفقه الدستوري سقوط الدستور القائم في الدولة، وفي النوع الثاني (الحكومة الواقعية) أنها تكون مشكلة أصلاً طبقاً لأحكام الدستور، ولكنها تباشر اختصاصات لم يمنحها لها الدستور، لأنها قامت بحل البرلمان وعدم دعوة الناخبين مع بقائها تباشر وظيفتها الأصلية واختصاصات أخرى لم يخولها بها الدستور وخاصة اختصاصات البرلمان الذي حلته، ويرى بعض الفقه ان الحكومة تعتبر في الصورتين حكومة غير قانونية، ويرى آخرون ان بمجرد اعلان الحكومة الجديدة بأسقاط النظام السابق، يكون الدستور هو الآخر منتهياً وتكون الحكومة الجديدة هي الحكومة الفعلية والتي تعبر عن النظام الجديد(3).
وأخيراً فيجمع الفقه الى ان مبدأ خضوع الادارة للقانون يعد عنصراً من عناصر الدولة القانونية، وأن هذا المبدأ يعني خضوع الادارة في جميع ما يصدر عنها من تصرفات لأحكام وقواعد القانون او تنفيذا له.
ويستوي ان تكون التصرفات او الاعمال الصادرة عن الادارة تصرفات قانونية أو مجرد أعمال مادية سواء أكانت هذه التصرفات إيجابية أو سلبية.

4ـ تدرج القواعد القانونية:
من الثابت ان القواعد القانونية في النظام القانوني للدولة ليست في مرتبة واحدة من حيث قوتها وقيمتها القانونية، فهذه القواعد تتدرج بحيث يكون بعضها اسمى وأغلى مرتبة من البعض الآخر. ففي قمة النظام القانوني توجد القواعد الدستورية، ثم يليها مرتبة القواعد التشريعية العادية، أي القوانين الصادرة عن السلطة التشريعية، ثم يليها بعد ذلك القواعد الصادرة عن السلطة التنفيذية وهي اللوائح، ويترتب على تدرج هذه القواعد القانونية، أنه لا يجوز لقاعدة أدنى ان تتعارض أو تخالف قاعدة قانونية أعلى منها، وعلى هذا النحو لا يجوز لقاعدة قانونية عادية ان تخالف قاعدة دستورية، لأن القواعد الدستورية أعلى مرتبة من القواعد القانونية العادية. كما أنه لا يجوز للائحة الصادرة عن السلطة التنفيذية أن تخالف قاعدة قانونية عادية، ومن باب اولى قادة دستورية، لأن هذه اللوائح تكون أدنى مرتبة من القاعدة القانونية العادية.
وعلى هذا النحو، نجد ان النظام القانوني في الدولة أشبه بالنظام الهرمي قمته القواعد الدستورية وتليها القواعد القانونية العادية ثم اللوائح، وأن الالتزام بهذا النظام القانوني هو من سمات الدولة القانونية ومن بين مقوماتها.

5ـ الاعتراف بالحقوق الفردية:
لا شك ان مبدأ خضوع الدولة للقانون أو الدولة القانونية ـ هو مبدأ قصد به حماية حقوق الأفراد ومصالحهم ضد عسف واستبداد السلطات الحاكمة. أن هذا المبدأ يفترض ان للافراد حقوقا وحريات يجب حمايتها، غير ان هذه الحقوق وتلك الحريات قد تغير مدلولها بتغير دور الدولة الحديثة.
لقد كان للحقوق والحريات في دولة المذهب الحر لها طابع سلبي تقليدي، فكانت هذه الحقوق بمثابة قيود على سلطان الدولة، فلا تستطيع النيل أو الحد منها، وأن كان لها فقط الوقوف عند حد تنظيم ممارستها.
أما اليوم، وبعد ان تغير دور الدولة فأصبح تدخلياً ونشطاً فأصبح للحقوق الفردية طابع آخر جديد.
لقد نشأ بجانب هذه الحقوق حقوق أخرى ذات طابع إيجابي كالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، فاذا كان نظام الحقوق الفردية بمدلولها السلبي قد فرض على سلطان الدولة قيوداً من شأنها منع التدخل حماية لحقوق الافراد وحرياتهم، فأن نظام الحقوق الفردية بمدلولها الحديث والايجابي قد فرض أيضا قيوداً على الدولة في ثوب جديد، وتتمثل تلك القيود في فرض التزامات جديدة على الدولة لا تعرفها الدولة التقليدية، أو دولة المذهب الحر، وتكمن في وجوب التدخل قصداً في تحقيق أوفى قدر من الرخاء والرفاهية لأفراد الجماعة، وعلى هذا النحو تخضع الدولة للقانون، في كل من دولة المذهب الحر، ودولة المذهب الاشتراكي. فهو ذو طابع سلبي في دولة المذهب الحر، وذو طابع إيجابي في الدول ذات النزعة الاشتراكية.

6ـ تنظيم رقابة قضائية:
وحتى يتحقق نظام الدولة القانونية، ويتحقق احترام الدولة بجميع سلطاتها لقواعد القانون فأنه يجب تنظيم الطرق التي تكفل احترام هذه القواعد إذا ما أرادت هذه السلطات تجاوزها والانحراف عنها، والرقابة على سلطات الدولة، يمكن ان تكون رقابة سياسية، يباشرها البرلمان ـ أو رقابة إدارية تباشرها جهة الادارة، أو رقابة قضائية تباشرها جهات القضاء المختصة في الدولة. ويكاد الاجماع منعقدا على عدم فعالية الرقابة السياسية أو الرقابة الادارية، إذ تخضع الرقابة السياسية، لحزب الاغلبية (حزب السلطة) في البرلمان واهوائه، وتجعل الرقابة الادارية من الادارة خصماً وحكماً في ذات الوقت، وهو ما يأباه منطق الرقابة السليم.
لذلك لا مناص من وجوب اقامة الرقابة القضائية فهي وحدها لما يتمتع به القضاء من حيدة واستقلال من تحقيق الضمانة الحقيقية لحقوق الافراد، إذ يستطيعون الالتجاء الى القضاء لرد أي عسف وطلب الغاء او تعديل اي اجرا، أو طلب التعويض جراء المخالفات من السلطات لحكم القانون.
وعلى هذا النحو فأن خضوع الدولة للرقابة القضائية الضمانة الاساسية لتحقيق نظام الدولة القانونية، وإلا فيغدو نظام الدولة اجوفا من غير ذي مضمون.

هوامش

(1)راجع ـ النظم السياسية والقانون الدستوري ـ الدكتور ابراهيم عبدالعزيز شيحا ـ منشأة المعارف بالاسكندرية سنة 2000، ص220.
(2)القانون الدستوري ـ الدكتور عبدالفتاح ساير، مصدر سابق، ص174، سنة 2000.

(3)الدكتور عبدالفتاح ساير، القانون الدستوري، مصدر سابق، ص 174.