إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 3 أغسطس 2016

محاضرة (الرقابة السياسية على دستورية القوانين)

الرقابة على دستورية القوانين

مقدمة

يقتضي الإقرار بسمو الدستور أن تخضع كل التشريعات والأحكام الأدنى منه لسلطانه ولا تخالفه،ولا يتأتى هذا إلا بتقرير مبدأ الرقابة على دستورية القوانين التي تعتبر إحدى الضمانات الأساسية لحماية الدستور.
تختلف الدول حول فكرة الرقابة على دستورية القوانين ، فالبعض منها تمنع هذه الرقابة بشكل صريح،ومثال ذلك الدستور البلجيكي لسنة 1831 و الدستور البولوني لسنة 1921 ، و بريطانيا التي يقوم نظامها على مبدأ سيادة البرلمان ومن ثم يتعذر تقييد سلطته أو إقرار أية رقابة على ما يصدره من تشريعات . أما الدول التي تأخذ بالرقابة على دستورية القوانين فإنها تختلف من حيث الجهة التي تتولى الرقابة ومدى ما يمنحها القانون من صلاحيات ،ويمكن تصنيف الرقابة الدستورية تبعا للهيئة التي تباشرها إلى نوعين : رقابة سياسية و رقابة قضائية.





الرقابة السياسية على دستورية القوانين

هي الرقابة التي تمارسها هيئة سياسية،وتتميز بأنها وقائية وسابقة على إصدار القانون بمعنى أن القانون المراد تشريعه لا يتم إصداره إذا خالف الدستور.وتتم الرقابة السياسية بواسطة هيئتين: اما بواسطة مجلس دستوري و الرقابة بواسطة هيئة نيابية.
أولا : الرقابة بواسطة مجلس دستوري
ظهرت المحاولات الأولى لتقرير الرقابة السياسية في فرنسا عند وضع أوّل دستور عام 1795،ويعود الفضل في ذلك إلى الفقيه الفرنسي "سييز  Sieyes "،الذي اقترح إنشاء هيئة سياسية تكون مهمتها إلغاء القوانين المخالفة للدستور قبل صدورها ، ورغم أن هذه المحاولة لقيت معارضة شديدة في البداية، إلا أنها وجدت سبيلها إلى التطبيق بعد ذلك في الدستور الثامن لسنة 1799 حيث أنشأت هيئة تسمى "مجلس الشيوخ" يتولى رقابة دستورية القوانين قبل إصدارها .
وفي ظل الدستور الحالي (1958) تقوم بهذه المهمة هيئة تسمى "المجلس الدستوري" الذي يتكوّن من رؤساء الجمهورية السابقين أعضاء مدى الحياة،ومن 9 أعضاء يقوم بتعيين 3 منهم رئيس الدولة، و 3 يعيّنهم رئيس الجمعية و 3 يعيّنهم رئيس مجلس الشيوخ. ويقوم رئيس الجمهورية باختيار رئيس المجلس من بين الأعضاء التسعة ومدة العضوية تسعة سنوات غير قابلة للتجديد على أن يجدد الثلث كل ثلاث سنوات .
و يختص المجلس الدستوري الفرنسي في التحقق من عدم مخالفة القوانين للدستور وذلك بناء على طلب رئيس الجمهورية أو رئيس مجلس الشيوخ أو 60 نائبا من أحد المجلسين، كما يشرف على انتخاب رئيس الجمهورية والانتخابات البرلمانية وينظر في الطعون المقدمة بشأنهما كما يشرف على صحة الاستفتاءات الشعبية ويعلن نتائجها .
ثانيا : الرقابة بواسطة هيئة نيابية
انتشر هذا النوع من الرقابة في الدول ذات الأنظمة الاشتراكية ، وهو يقوم على فكرة أنه لا يمكن أن  تعلو كلمة أية جهة على الهيئات المنتخبة التي تمثل الشعب في ظل نظام الحزب. و من بين الأنظمة التي أخذت بهذا النوع من الرقابة الاتحاد السوفيتي سابقا ، ودستور جمهورية ألمانيا الشرقية لسنة 1968 .



الرقابة القضائية على دستورية القوانين

هي الرقابة التي تمارس بواسطة هيئة قضائية،وينطلق مفهوم هذه الرقابة من فكرة حق الأفراد في حماية حقوقهم وحرياتهم المقررة في الدستور، وتشكل الرقابة القضائية ضمانة فاعلة لدستورية القوانين حيث يتسم القضاء بالحياد والنزاهة والاستقلالية بالإضافة إلى الخبرة القانونية .وهناك صورتان للرقابة القضائية على دستورية القوانين :
أولا : رقابة الامتناع : كانت الولايات المتحدة الأمريكية السباقة في الأخذ بالرقابة القضائية على دستورية القوانين ، بالرغم من أن الدستور الأمريكي لم ينص صراحة على ذلك ،ويربط المؤرخون تطبيق هذا المبدأ بحكم المحكمة العليا في قضية "ماربري" ضد "ماديسون" في عام 1803م .
و ليس للمحاكم الأمريكية أن تلغي القانون عند نظرها في قضية أمامها بعدم دستورية قانون ما ، بل تمتنع عن تطبيقه دون أن يكون ذلك ملزما للمحاكم الأخرى ، إلا إذا كان الحكم بعدم دستوريته صادراً من المحكمة العليا .
وهناك عدة صور لرقابة الامتناع ، منها :
. 1الدفع بعدم الدستورية : و يطلق على هذه الطريقة طريقة "الدفع الفرعي"، و تمارس المحاكم هذا الحق عندما يطرح أمامها نزاع و يطالب أحد الطرفين بتطبيق قانون ما ، فيطعن الطرف الآخر بعدم دستورية هذا القانون. وما يميز هذا الأسلوب انه لا يحق لأي شخص الطعن بعدم دستورية القوانين بصورة أصلية ،أي إنه إذا رأى شخص أن قانونا ما يخالف الدستور فلا يحق له أن يتقدم للمحكمة للطعن بهذا القانون، بل يجب أن يكون القانون يطبق على الشخص في دعوى قضائية فيبادر هذا الشخص إلى الطعن بعدم دستورية هذا القانون . فإذا تبين للقاضي أن القانون المطعون فيه غير دستوري فعلا فلا يطبقه على ذلك النزاع فقط بحيث يستعبده دون أن يلغيه.
كما آن القاضي لا يتعرض إلى بحث مسألة دستورية أو عدم دستورية القوانين إلا إذا دفع أحد أطراف الخصومة أمامه بذلك من أجل الدفاع عن نفسه.
انتهج هذا النموذج من الرقابة – إضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية- في عدة دول مثل كندا ، أستراليا ، المكسيك ، و عدة دول من أمريكا اللاتينية .
. 2الأمر القضائي: و بحسب هذه الطريقة يحق لأي شخص أن يلجا إلى المحكمة و يطلب منها أن توقف تنفيذ قانون ما على اعتبار أنه غير دستوري ، و للمحكمة أن تصدر أمراً قضائيا بعدم تنفيذ القانون ، و يلاحظ أن مهمة إصدار الأمر القضائي في الولايات المتحدة هو من اختصاص محكمة اتحادية مكونة من 03 قضاة ، ويجوز الطعن في قرارات هذه المحكمة أمام المحكمة الاتحادية العليا .
. 3الحكم التقريري : وبمقتضى هذا الأسلوب يحق للشخص أن يلتمس من المحكمة إصدار حكم تقرر فيه ما إذا كان القانون الذي سيطبق عليه دستورياً أم لا، و في هذه الحالة يتوقف تنفيذ القانون على هذا الشخص إلى غاية صدور حكم المحكمة.
ثانيا : رقابة الإلغاء ( الرقابة عن طريق الدعوى الأصلية)
وتعني حق القضاء المختص بالرقابة الدستورية في إلغاء القانون غير الدستوري في مواجهة الجميع واعتباره كأنه لم يكن. وتمارس هذه الرقابة محكمة خاصة أو أعلى محكمة في البلاد بحيث يكون لحكمها حجية مطلقة أي انه ملزم لسائر المحاكم والجهات التي تطبق القانون ، و يحق لأي فرد أن يتقدم لهذه المحكمة طالبا إلغاء قانون ما إذا رأى فيه مخالفة للدستور .
و يمكن لهذه الرقابة أن تكون سابقة على إصدار القانون أو لاحقة على إصداره. ففي الرقابة السابقة تتم إحالة القوانين قبل إصدارها إلى هيئة قضائية مختصة لفحصها من الناحية الدستورية ، و قد أخذ الدستور الايرلندي لسنة 1937 بهذا النوع من الرقابة .
أما رقابة الإلغاء اللاحقة فإنها تباشر على القوانين بعد إصدارها ودخولها حيز التنفيذ. و تختلف الدول التي أخذت بهذا النوع من الرقابة في الجهة التي تملك حق الطعن في دستورية القانون ، فمثلا نجد الدستور النمساوي لسنة 1920 يحصر ممارسة هذا الحق على الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات فقط ،في حين وتجيز بعض الدول الأخرى للأفراد الطعن في دستورية قانون يراد تطبيقه في دعوى منظورة أمام القضاء.
كما تختلف الدول في تحديد المحكمة المختصة بالرقابة ، فدستور بوليفيا لسنة 1880 مثلاً قد جعل هذا الأمر من اختصاص المحاكم العادية ،و بعض الدول جعلت الرقابة من اختصاص محكمة خاصة وهذا ما نجده في دستور النمسـا و إيطاليا وبعض البلدان العربية كالعراق، الكويت، مصر، السودان، أين  تمارس " المحكمة الدستورية " وظيفة الرقابة القضائية حيث تمارس هذه المحكمة دورها في بيان مدى مطابقة القوانين الصادرة أو مخالفتها للدستور.